أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أخبرني عَنِ الإِسْلَامِ. . . . الحديث وفيه: ثُمَّ قَالَ لي: "يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ؟ ". قُلْتُ الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ". (?)
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصلَةِ الْجَرَسِ، وَكَانَ أَشَدّهُ عَلَيْهِ فَيَتَلَبّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتّى إنّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ - رضي الله عنه - سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله كَيْفَ يَأْتِيكَ الوحي؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْيَانًا يأتيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ - وَهُو أشَدُّهُ عَلَىَّ - فَيُفْصَمُ عَنِّى وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لي الْمَلَكُ رَجُلًا فيكلمني فَأَعِى مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوحي في الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. (?)
قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَفَرَّغَ سَمْعُهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا يَبْقَى فِيهِ وَلَا فِي قَلْبه مَكَان لِغَيْرِ صَوْت الْمَلَك. (?)
قال ابن الجوزي: إنما شبهه بالجرس؛ لأنه صوت متدارك لا يفهمه في أول وهلة حتى يتثبت ولذلك قال: "وهو أشده علي"، وقوله: "فيفصم عني" أي يقلع عني وينجلي ما يغشاني منه. وأصله من الفصم وهو القطع، وقولها: (وإن جبينه) للإنسان جبينان والجبهة بينهما، وقوله: (ليتفصد) بمعنى: يسيل عرقًا كما يفصد العرق، وكان - صلى الله عليه وسلم - يلقى مشقة شديدة لثقل ما يلقى عليه من القرآن، فيعتريه ما يعتري المحموم، وكان ذلك من هيبة الكلام، وتعظيم المتكلم، وجمع الفهم للوعي، وخوف التحريف لنقص العقول من غير