الوجه الثاني: لا إشكال في تعدد أحاديث أسباب النزول.
وفي هذا الوجه مسائل:
المسألة الأولى: وهي: التعدد قد يكون في التفسير وليس في السبب.
أن يعبر أحدهم بقوله: نزلت في كذا، والآخر: نزلت في كذا، وذكر أمرًا آخر. فهذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول، فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهما (?).
المسألة الثانية: قد يكون الأول تفسيرًا والآخر سببًا.
كأن يعبر واحد بقوله: نزلت في كذا، ويصرح آخر بذكر سبب خلافه، فهو المعتمد وذاك استنباط، مثاله: عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: أنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} في إتيان النساء في أدبارهن، وعن جابر التصريح بذكر سبب خلافه، فالمعتمد حديث جابر؛ لأنه نقل، وقول ابن عمر استنباط منه، فحديث جابر قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}. (?)
المسألة الثالثة: قد يكون أحدهما صحيحًا والآخر ضعيفًا.
أن يذكر واحد سببًا وآخر سببًا غيره، فإن كان إسناد أحدهما صحيحًا دون الآخر فالصحيح المعتمد، مثال: عن جندب: اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله: {وَالضُّحَى (?) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (?) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (?).
وعن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن جروًا دخل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل تحت السرير فمات، فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ جبريل لا يأتيني، فقلت في نفسي: لو هيأت البيت