دخلت لاسيتقظ وأحس.

فإذا كان يوم حشر الأجساد، وقام الناس من قبورهم، صار الحكم، والنعيم والعذاب على الأجساد والأرواح معاً ظاهراً بادياً في كل منهما.

والله عزَّ وجلَّ جعل أمر الآخرة، وما كان متصلاً به كالبرزخ غيباً، وحجب ذلك عن إدراك المكلفين في هذه الدار، وذلك من كمال حكمته ورحمته، وليتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم.

فالملائكة تنزل على المحتضر، وتجلس قريباً منه، ويشاهدهم عياناً، وقد يسلمون على المحتضر، وقد يرد عليهم بإشارة أو لفظ.

وكذلك النار التي في القبر ليست من نار الدنيا، والخضرة التي فيه ليست من زرع الدنيا، وإنما ذلك من نار الآخرة وخضرتها، فلا يحس بها الأحياء في هذه الدار، لأنهم محجوبون عنها.

ولو أطلعنا الله على ذلك لزالت حكمة التكليف، ولما تدافن الناس كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْلا أنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْر» أخرجه مسلم (?).

ورؤية هذه النار أو الخضرة في القبر كرؤية الملائكة والجن تقع أحياناً لمن شاء الله أن يريه ذلك، كما حصل لبعض الناس.

والله عزَّ وجلَّ قد أحدث في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك.

فجبريل - صلى الله عليه وسلم - كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة رجل، ويكلمه بكلام يسمعه، ومن إلى جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يراه ولا يسمعه.

والجن يتحدثون بيننا بالأصوات المرتفعة، ونحن لا نسمعهم ولا نراهم، وقد نسمع كلامهم ولا نراهم، كما إذ دخلوا في بعض الإنس وتكلموا.

فالله رؤوف بالعباد يخلق حوادث ومخلوقات، يصرف عنها أبصار الناس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015