ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» أخرجه الترمذي وابن ماجه (?).

فالدنيا مركب الآخرة، وبها تقطع المسافة إلى الآخرة، والبدن مركب النفس، وبه تقطع مسافة العمر، فتعهد البدن بما تبقى به قوته على سلوك الطريق بالعلم والعمل هو من الآخرة لا من الدنيا، فهذه حقيقة الدنيا في حق الإنسان.

وأما حقيقة الدنيا في نفسها، فالدنيا عبارة عن أعيان موجودة، وللإنسان فيها حظ، وله في إصلاحها شغل، وقد جمع الله الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا في قوله سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 14].

فهذه هي أعيان الدنيا السبعة، ولها مع العبد علاقتان:

الأولى: علاقة الأعيان مع القلب، وهو حبه لها، وحظه منها، وانصراف همه إليها، حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا، ويدخل في هذا جميع صفات القلب الباطنة كالكبر والرياء والعجب، وحب الثناء، وحب التكاثر، وحب التفاخر، وهذه هي الدنيا الباطنة، وأما الدنيا الظاهرة فهي الأعيان المذكورة.

الثانية: علاقة الأعيان مع البدن، وهو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان، لتصلح حظوظه، وحظوظ غيره، وهي جملة الصناعات والحرف التي يشتغل بها الخلق.

والخلق إنما نسوا أنفسهم ومآبهم ومنقلبهم بالدنيا لهاتين العلاقتين: علاقة القلب بحب الدنيا .. وعلاقة البدن بالشغل فيها.

ولو عرف العبد نفسه وعرف ربه، وعرف حكمة الدنيا وسرها، علم أن هذه الأعيان التي تسمى دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي يسير بها إلى الله تعالى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015