والكذب ضربان:

كذب في الأقوال .. وكذب في الأفعال.

فكما يكون الصدق والكذب في الأقوال يكونان في الأفعال، فقد يفعل الإنسان فعلاً يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبر به عن وجود شيء غير موجود، وذلك على سبيل المخادعة.

والكذب في الأقوال أكثر من الأفعال؛ لسهولته، والكذب كله شر، والكذب في الأقوال خطير، وربما كان الكذب في الأفعال أشد خطراً وأقوى تأثيراً من الكذب في الأقوال كما حكى الله من أقوال وأفعال إخوة يوسف حين ألقوه في الجب: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)} [يوسف: 16 - 18].

فجمعوا بين كذب القول .. وكذب الفعل.

ورخَّص الشرع في الكذب في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل مع امرأته، وحديث المرأة مع زوجها، وذلك على طريق التورية والتعريض دون التصريح به، كما سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن أنت؟ فقال: «من ماء».

فورى عن الإخبار بنسبه بأمر محتمل.

وكما سئل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في طريق الهجرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: هاد يهديني السبيل، فظنوا أنه يعني هداية الطريق، وهو إنما يعني هداية سبيل الخير.

وأسباب الكذب ودواعيه كثيرة، ومنها:

جلب النفع، ودفع الضر، فيرى الكذاب أن الكذب أسلم وأغنم فيرخِّص فيه لنفسه؛ طمعاً في حصول ما يريد به.

ومنها أن يُؤْثِر أن يكون حديثه مستعذباً، وكلامه مستظرفاً، فلا يجد صدقاً يعذب، فيستحلي الكذب الذي يسهل اجتراره، وتطرب الآذان عند سماعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015