تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].

فما أبعد هذه النفوس عن ربها، وهي تعرض عن الدعوة إلى الله في طغيان عات، وفي إعراض نافر، وتنسى أنها من صنع الله، وأنها تعيش على فضله، وأنها لا تملك من أمر وجودها وحياتها ورزقها شيئاً على الإطلاق.

وبعد هذه الغفلة والشرود والاستكبار: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} [المائدة: 74].

وإذا استكبر هؤلاء عن الحق، واعتقدوا فوق ذلك أنهم أهدى سبيلاً، وأن ما سواهم ضال، فهي الطامة الكبرى، تلك التي ترى الحق باطلاً، والباطل حقاً، والرشد ضلالاً، والضلال رشداً: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)} ... [الملك: 22].

إن الذي يمشي مكباً على وجهه حاله بائسة تعاني المشقة والعسر والتعثر، ولا تنتهي إلى هدى ولا خير ولا فلاح، إنها حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله المحروم من هداه، الذي يصطدم مع المخلوقات؛ لأنه شذ عنها في طاعة الله، فهي مطيعة لربها وهو مخالف لها، يعترضها في سيره، ويتخذ له مساراً غير مسارها.

فهو أبداً في تعثر .. وأبداً في عناء .. وأبداً في ضلال .. فأنى يهتدي؟.

وفي المقابل حال السعيد المهتدي إلى الله، المتمتع بهداه، الذي يسير في موكب الإيمان والتوحيد، والحمد والتمجيد، وهو موكب الوجود كله بما فيه من أحياء وأشياء: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44].

والله سبحانه هو الذي خلق البشر، ووهبهم وسائل الهدى، وأدوات الإدراك، ولكن أكثرهم غافلون، ومن ثم لم ينتفعوا بها، ولم يكونوا من الشاكرين: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)} [الملك: 23].

فالله بلا ريب هو الذي خلق هذا الكون، بل خلق كل شيء، وخلق الإنسان، هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015