وقد أخرج الله سبحانه آدم وزوجه من الجنة بذنب واحد ارتكباه، ولعن إبليس وطرده وأخرجه من ملكوت السموات بذنب واحد ارتكبه، ونحن معاشر الحمقى نصل الذنوب إلى الذنوب، ونتبع الصغائر بالكبائر غير مقدرين لعظمة الرب، وغير مبالين بأمره، ونرجو مع ذلك أعلى الدرجات في الآخرة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} ... [الأعراف: 23].
وكل عمل له جزاء، والعبد ميسر بأعماله لغاياتها كما قال سبحانه: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} [الليل: 4 - 10].
فهذا عمله الصالح ييسر لليسرى .. وهذا بعمله السييء ييسر للعسرى.
وأسباب التيسير لليسرى ثلاثة:
الأول: إعطاء العبد من نفسه الإيمان والطاعات، واعطاؤه الإحسان والنفع بماله ولسانه وبدنه ونيته، فتكون نفسه مطيعة باذلة لا لئيمة مانعة.
فالنفس المطيعة هي النافعة المحسنة التي طبعها الإحسان لنفسها ولغيرها، فهي ميسرة لذلك، وهكذا الإنسان المبارك ميسر للنفع حيث حل، فجزاء هذا أن ييسره الله لليسرى كما كانت نفسه ميسرة للعطاء ..
الثاني: التقوى، وهي اجتناب ما نهى الله عنه، وهذا من أعظم أسباب التيسير، فالمتقي ميسرة عليه أمور دنياه وآخرته كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} [الطلاق: 4].
وتارك التقوى وإن تيسرت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى، ولو اتقى الله لكان تيسرها عليه أتم، ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله لغير التقوى من نعيم القلب ولذة الروح ما هو أجل من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات.
الثالث: التصديق بالحسنى، وهي التصديق بالإيمان وشعبه وجزائه وهو الجنة.
فهذا قد زكى نفسه، وأعدها لكل حالة يسرى، فصارت هذه النفس بذلك ميسرة