فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سبباً لحصول القحط والجدب، ومنع نزول الغيث .. وجعل ظلم المساكين، والبخس في الموازين، وتعدي القوي على الضعيف سبباً لجور الملوك والولاة الذي لا يرحمون إذا استرحموا.
وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صورة ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته يظهر للناس أعمالهم في صور تناسبها.
تارة بالقحط .. وتارة بالجدب .. وتارة بأمراض عامة .. وتارة بهموم وآلام .. وتارة بولاة جائرين .. وتارة بعدو .. وتارة بمنع بركات السماء والأرض .. وتارة بتسلط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزاً، لتحق عليهم كلمة الله، وليصير كل منهم إلى ما خلق له كما قال سبحانه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123].
فكل صلاح في العالم سببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر وبلاء في العالم فسببه الكفر ومخالفة الله ومن رحمة الله سبحانه أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل والجراح والقذف والسرقة ونحوها.
فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع.
فلم يشرع الله في الكذب قطع اللسان ولا القتل .. ولا في الزنا الخصا .. ولا في السرقة قتل النفس .. ولا في القذف إزهاق الروح.
وإنما شرع سبحانه ما هو موجب أسمائه وصفاته من رحمته وحكمته ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب وتنقطع الأطماع عن العدوان، ويقتنع كل إنسان بما آتاه خالقه ومالكه، فلا يطمع في استلاب حق غيره ظلماً وعدواناً.
ولهذه الجنايات مراتب مختلفة في القلة والكثرة، ودرجات متفاوتة في شدة الضرر وخفته كتفاوت سائر المعاصي في الكبر والصغر، والقلة والكثرة.
ومعلوم أن الضربة بالعود لا يصلح إلحاقها في العقوبة بالضربة بالسيف .. ولا