احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 49 - 50].
والمنهج الرباني لا يأخذ الناس بالعقوبة وحدها، إنما يرفع سيف العقوبة ويصلته ليرتدع من لا يردعه إلا السيف.
فأما اعتماده الأول فعلى الدعوة إلى الله، وتقوية الإيمان، وتربية القلب، وهداية الروح، وتقويم الطبع، إلى جانب إقامة المجتمع الذي تنمو فيه بذرة الخير وتزكو، وتذبل فيه نبتة الشر وتذوي، لذلك ما يكاد السياق القرآني ينتهي من الترويع بالعقوبة حتى يأخذ طريقه إلى القلوب والضمائر والأرواح، يستجيش فيها مشاعر التقوى، ويرغبها بالحسنى كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} ... [البروج: 10].
ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)} ... [البروج: 11].
وقد بشر الله بالجنة الذين آمنوا وعملوا الصالحات كما قال سبحانه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25].
فالمبشِّر هو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن قام مقامه من أمته.
والمبشَّرون هم الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة التي تصلح بها أحوالهم، وأمور دينهم ودنياهم، وأحوالهم الدنيوية والأخروية.
والمبشر به هي الجنات الجامعة للأشجار العجيبة، والثمار اليانعة، والظل الممدود، والأنهار الجارية بالماء واللبن والخمر والعسل، والعيون العذبة