وأنه إذا أطاعه العباد بما أمر به، شكر عليه بالإمداد والزيادة، وأنه إذا عصاه العباد، وخالفوا أمره، أصابهم النقص والفساد، والذل والهوان، وضيق العيش، وسوء الأحوال، فالذنوب مضرة بالقلوب مثل السموم مضرة بالأبدان.
وهذا المشهد من ألطف المشاهد، فإن العبد إذا شهد نقص حاله إذا عصى ربه، وتغير القلوب عليه، وجفولها منه، وانسداد الأبواب في وجهه، وتوعر المسالك عليه، وهوانه على أهل بيته وأولاده وزوجته وإخوانه، وتطلبه ذلك حتى يعلم من أين أُتي؟، ووقوعه على السبب الموجب لذلك مما يقوي إيمانه، ليباشر تغيير حاله، فإذا أقلع وباشر الأسباب التي تفضي به إلى ضد هذه الحال رأى العز بعد الذل .. والغنى بعد الفقر .. والسرور بعد الحزن .. والأمن بعد الخوف .. وقوة الإيمان بعد ضعفه .. ازداد إيماناً مع إيمانه.
فكل ما نراه في الوجود من شر وفساد، وألم وعقوبة، وجدب ونقص، في أنفسنا وأموالنا، فهو من قيام الرب تعالى بالقسط، وهو عدل الله وقسطه وإن أجراه على يد ظالم.
فالمسلط له أعدل العادلين وأحكم الحاكمين كما قال سبحانه لمن أفسد في الأرض: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)} [الإسراء: 4 - 6].
وكل نقص وبلاء وشر في الدنيا والآخرة فسببه الذنوب، ومخالفة أوامر الرب، فليس في العالم شر قط إلا الذنوب وموجباتها.
وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمر مشهود في العالم، يعرفه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].