لم يردها إليها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة، فطرة البشر وفطرة الوجود: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} [الروم: 30].
وقد اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف، لا عجزاً عن حياة المتاع، فقد عاش حتى فتحت له الأرض، وكثرت الغنائم، ومع هذا فقد كان يمضي الشهر والشهران وما يوقد في بيوته نار، مع جوده بالصدقات والهبات والهدايا، ولكن ذلك كان اختياراً للاستعلاء على متاع الحياة الدنيا، ورغبة خالصة فيما عند الله، رغبة الذي يملك ولكنه يقف ويستعلي ويختار.
ولم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكلفاً من عقيدته ولا من شريعته أن يعيش مثل هذه المعيشة التي أخذ بها نفسه وأهل بيته.
فلم تكن الطيبات محرمة في عقيدته وشريعته، ولم يحرمها على نفسه حين كانت تقدم إليه عفواً بلا تكلف، وتحصل بين يديه مصادفة واتفاقاً، لا جرياً وراءها، ولا تشهياً لها، ولا انشغالاً بها، ولا انغماساً فيها.
ولم يكلف أمته أن تعيش عيشته التي اختارها لنفسه، إلا أن يختارها من يريد استعلاءً على اللذائذ والمتاع.
ولكن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كن نساءً من البشر، لهن مشاعر البشر، وعلى فضلهن وقربهن من ينابيع النبوة الكريمة، فإن الرغبة الطبيعية في متاع الحياة ظلت حية في نفوسهن، فلما رأين السعة والرخاء بعدما أفاض الله على رسوله والمؤمنين راجعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر النفقة، فلم يستقبلها بالرضا والترحيب، إنما استقبلها بالأسى وعدم الرضا، إذ كانت نفسه ترغب أن تعيش فيما اختاره لها، متجردة من الانشغال بذلك الأمر.
وأن تظل حياته وحياة من يلوذ به على ذلك الأفق السامي، بالتحرر من هواتف شهوات هذه الأرض الرخيصة، وأن تظل القيم الإسلامية العالية ممثلة ومترجمة في بيت النبوة، الذي سيبقى منارة للإسلام والمسلمين حتى يرث الله