فلا يثبت على الكفاح المرير والجهد المتواصل إلا أصلبهم عوداً، وأقواهم إيماناً، وأكثرهم تطلعاً إلى ما عند الله، واستهانة بما عند الناس، عندئذ تتميز دعوة الحق عن دعوة الباطل، وتمضي دعوة الحق في طريقها برجالها الذين ثبتوا عليها، وأولئك هم الأمناء عليها.
والذي يقع غالباً أن أكثر الناس يقف متفرجاً على الصراع بين المجرمين وأصحاب الدعوات، فإذا ثبت أهل الحق ومضوا في طريقهم، قالت الكثرة المتفرجة: إنه لا يمسك أصحاب الدعوة على دعوتهم إلا أن وراءها ما هو أغلى مما يضحون به وأثمن، وعندئذ يتقدمون ليروا ما هو العنصر الغالي الثمين الذي يجاهد هؤلاء من أجله، ويقدمون له حياتهم.
وعندئذ يدخل المتفرجون أفواجاً في هذا الدين بعد طول التفرج على الصراع.
فمن أجل هذا كله جعل الله لكل نبي عدواً من المجرمين، وجعل المجرمين يقفون في وجه دعوة الحق، وحملة الدعوة يكافحون المجرمين، فيصيبهم ما أصابهم وهم ماضون في الطريق، ولهم إحدى الحسنيين إما النصر، وإما الشهادة كما قال سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)} [التوبة: 52].
إن بروز المجرمين في طريق الأنبياء أمر طبيعي، فدعوة الحق إنما تجيء في أوانها لعلاج فساد واقع في الجماعة أو في البشرية:
فساد في القلوب .. وفساد في الأخلاق .. وفساد في النظم .. وفساد في الحكم .. وفساد في الأوضاع.
ووراء هذا الفساد العام الطام يكمن المجرمون المفسدون، الذين ينشؤون الفساد من ناحية، ويستغلونه من ناحية، والذين تتفق مشاربهم مع هذا الفساد، وتتنفس شهواتهم في جوه الوبيء.
فأمر عادي أن يبرز المجرمون للأنبياء وللدعوات دفاعاً عن وجودهم، واستبقاءً