وكذلك يصون إيمانه، فإن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
فالقبائح تسود القلب، وتطفئ نوره، والإيمان نور في القلب، والحسنات تزيد نور القلب، والسيئات تطفئ نور القلب وتقسيه.
فالمعاصي للإيمان كالمرض والحمى للقوة سواء بسواء.
الثانية: حفظ الحدود، وذلك بترك كثير مما لا بأس به من المباح إبقاءً على صيانته، وخوفاً عليها أن يتكدر صفوها، ويذهب بهجتها.
فالأول يسعى في تحصيل الصيانة، وهذا يسعى في حفظ صفوها أن ينكدر، ونورها أن يطفأ بالتشمير للمراتب العالية، والترفع عن الدناءة.
وكذلك لا يقتحم الحدود، فالحدود هي النهايات، وهي مقاطع الحلال والحرام، فمن اقتحم ذلك وقع في المعصية، وقد نهى الله عن تعدي حدوده وقربانها، فالورع يخلص العبد من قربان هذه وتعدي هذه، وهو اقتحام الحدود.
الثالثة: التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت وإضاعته، فمن لم يكن الله مراده أراد ما سواه، ومن لم يكن هو وحده معبوده عبد ما سواه، ومن لم يكن عمله لله فلا بدَّ أن يعمل لغيره.
وهذا الورع يقتضي التورع عن كل حظ يزاحم مراد الله منك.
وملاك ذلك كله:
أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن وآياته وتدبرها، وفهم ما يراد منه وما نزل لأجله، والعمل بموجب ذلك، فهذه طريقة سهلة موصلة إلى الرفيق الأعلى.
ومراتب الورع ثلاث:
الأولى: واجبة، وهي الإحجام عن المحرمات.
الثانية: مندوبة، وهي البعد عن الشبهات.
الثالثة: فضيلة، وهي الكف عن كثير من المباحات، والاقتصار على أقل الضرورات.