من أتى به كما قال سبحانه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 88،89].
والتسليم على ثلاث درجات:
الأولى: تسليم ما يزاحم العقول.
فإن التسليم يقتضي ما ينهى عنه العقل ويزاحمه، فإنه يقتضي التجريد عن الأسباب، والعقل يأمر بها، فصاحب التسليم يسلم إلى الله عزَّ وجلَّ ما هو غيب عن العبد، فإذا سلم لله لم يلتفت إلى السبب في كل ما غاب عنه.
والأوهام يسبق عليها أن ما غاب عنها من الحكم لا يحصل إلا بالأسباب، والتسليم يقتضي التجرد عنها، والعقل ينهى عن ذلك.
والتسليم ضد المنازعة، والمنازعة إما بشبهة فاسدة تعارض الإيمان، وإما بشهوة تعارض أمر الله عزَّ وجلَّ، أو إرادة تعارض مراد الله من عبده، أو اعتراض يعارض حكمته في خلقه وأمره، بأن يظن أن مقتضى الحكمة خلاف ما شرع، وخلاف ما قضى وقدر، فالتسليم التخلص من هذه المنازعات.
الثانية: تسليم العلم إلى الحال، بأن ينتقل من صورة العلم إلى المعاني والحقائق.
فينتقل من العلم إلى اليقين، ومن اليقين إلى عين اليقين، ومن علم الإيمان إلى ذوق طعم الإيمان وحلاوته، ومن علم التوكل إلى حاله وهكذا.
الثالثة: تسليم ما دون الحق إلى الحق، مع السلامة من رؤية التسليم.
فالحق سبحانه هو الذي سلم إلى نفسه ما دونه، فالحق سبحانه هو الذي سلمك إليه، فهو المسلم والمسلم إليه، وأنت آلة التسليم، فمن شهد هذا المشهد العظيم وجد نفسه مسلمة إلى الحق، وما سلمها إلى الحق غير الحق، فقد سلم العبد من دعوى التسليم ورؤية التسليم.