[الأنعام: 59].
ويعلم سبحانه عدد كل كلمة .. وعد الرمل الحصى والتراب .. وحجمه ووزنه ومكانه .. ويعلم مثاقيل الجبال .. ومكاييل البحار والأنهار والرياح .. ويعلم أعمال العباد وآثارهم، وكلامهم وأنفاسهم، وحركاتهم وسكناتهم: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14].
وشرائع الإسلام وأحكامه على الأفعال الظاهرة، وأما حقائق الإيمان الباطنة فتلك عليها شرائع الثواب والعقاب.
فلله عزَّ وجلَّ حكمان:
حكم في الدنيا على الشرائع الظاهرة وأعمال الجوارح .. وحكم في الآخرة على الظواهر والبواطن.
ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل علانية المنافقين ويكل سرائرهم إلى الله، فيناكحون ويرثون ويورثون، ويعتد بصلاتهم في أحكام الدنيا، ولا يكون حكمهم حكم تارك الصلاة، إذ قد أتوا بصورتها الظاهرة.
وأحكام الثواب والعقاب ليست إلى البشر، بل إلى الله وحده، والله يتولاه في الدار الآخرة، فنحكم في الظاهر بصحة صلاة المنافق والمرائي، مع أنه لا يسقط عنه العقاب، ولا يحصل له الثواب في الآخرة، فالله وحده هو الأعلم بما في صدور العالمين.
وليس مقصود العلم العمل فقط، بل المقصود مع ذلك الإيمان بالله، ولو كان المقصود من العلم العمل فقط لكان المنافقون في الجنة، لكنهم في الدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يعملون بلا إيمان.
وجهد الصحابة كان أولاً على أنفسهم بالعلم والعمل ثم على غيرهم، فأصلحوا أنفسهم أولاً، ثم أخرج الله بأعمالهم وصفاتهم الناس من الظلمات إلى النور.
والشيطان حريص على جعل الإنسان يجتهد على الناس وينسى نفسه، وبهذا لا يتأثر الناس منه، ولا يقبلون قوله، وإذا اجتمع هذا مع نسيان الإنسان نفسه بلغ