يرده الخالق له.

وكلاهما يدمر نفسه بتدمير جزء من كيانها الأصيل، وهو محاسب على سوء تصرفه، واختياره ما لم يأذن به الله.

من أجل هذا أنكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من أراد أن يخرج عن سواء فطرته.

عن أنس - رضي الله عنه - أن نفرًا من أصحاب النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَألُوا أزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَا بَالُ أقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأنَامُ، وَأصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» متفق عليه (?).

وقد شاء الله تبارك وتعالى أن يخلق البشر باستعداد للهدى والضلال .. وأن يدع مشيئتهم حرة في اختيار أي الطريقين .. ومنحهم بعد ذلك العقل يرجحون به أحد الاتجاهين .. بعد ما بث في الكون من آيات الهدى ما يلمس العين والأذن .. والحس والقلب والعقل، حيثما اتجهت آناء الليل وأطراف النهار.

ثم شاء الرؤوف الرحيم بعد هذا كله .. أن لا يدعهم لهذا العقل وحده .. فوضع لهذا العقل ميزانًا ثابتًا في شرائعه التي جاءت بها رسله .. يثوب إليه العقل كلما غم عليه الأمر.

وهو ميزان ثابت لا تعصف به الأهواء .. ولم يجعل سبحانه الرسل جبارين يلوون أعناق الناس إلى الإيمان .. ولكن جعلهم مبلغين مبشرين ومنذرين، ليس عليهم إلا البلاغ .. يأمرون بعبادة الله وحده .. وينهون عن عبادة ما سواه .. من وثنية وهوى، وشهوة وسلطان: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل: 36].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015