وكفرت طائفة، ثم أيد الله المؤمنين بالله، ونصرهم على أعدائهم، وأظهرهم عليهم.
لقد انتدبوا لهذا الأمر، ونالوا هذا التكريم من ربهم، لقيامهم بنصرة دين الله مع نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
فما أجدر أتباع سيد الرسل أن ينتدبوا لهذا الأمر الدائم، كما انتدب الحواريون للأمر الموقوت.
إن أتباع سيد الرسل وآخرهم محمد - صلى الله عليه وسلم - هم الأمناء على منهج الله في الأرض، وهم ورثة العقيدة والرسالة الإلهية بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وهم المختارون من بين الأمم لهذه المهمة الكبرى، والأمانة العظمى.
وقد منَّ الله على العرب الأميين، فاختارهم ليجعلهم أهل الكتاب المبين، ويرسل فيهم رسولاً منهم، يرتفعون باختياره منهم إلى مقام كريم، ويخرجهم من أميتهم وجاهليتهم إلى نور العلم والإيمان، ويميزهم على العالمين كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} [الجمعة: 2، 3].
ومع كل ما كانوا عليه في الجاهلية من جهل وضلال، فقد علم الله أنهم هم حملة هذه العقيدة، الأمناء عليها، بما علم سبحانه في نفوسهم من استعداد للخير والصلاح، ومن طاقة تنهض بهذه العقيدة الجديدة، ومن رصيد مذخور للدعوة الجديدة، ونشرها صافية في العالم، وإقامة حياة الناس في الأرض على أساسها.
فاستلمته أول طليعة من هذه الأمة .. وتلقته بالقبول والسمع والطاعة أول مجموعة من هذه الأمة، هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وقد فرغت منه ونبذته نفوس اليهود التي أفسدها الذل الطويل في مصر .. فامتلأت بالعقد والالتواءات والانحرافات .. ومن ثم لم تستقم أبداً بعد ذلك، لا في حياة موسى ولا من بعده.