سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشد الناس بلاء؟ فقال: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» أخرجه الترمذي وابن ماجه (?).
والذين يفتنون المؤمنين ويعملون السيئات، فما هم بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين مهما انتفخ باطلهم وانتفش: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)} [العنكبوت: 4].
فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق، ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه، وفسد تقديره: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123].
فإن الله عزَّ وجلَّ الذي جعل الابتلاء سنة، ليمتحن إيمان المؤمن، ويميز بين الصادقين والكاذبين، هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد.
وإذا كانت الفتنة سنة جارية لامتحان القلوب، وتمحيص الصفوف، فخيبة المسيئين، وأخذ المفسدين، سنة جارية لا بدَّ أن تجيء.
وهذه النفوس التي تحتمل تكاليف الإيمان، ومشاق الجهاد، إنما تجاهد لنفسها ولخيرها، واستكمال فضائلها، ولإصلاح أمرها وحياتها، وإلا فما بالله من حاجة إلى أحد، وإنه لغني عن كل أحد: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)} [العنكبوت: 6].
فلا يقفن أحد في وسط الطريق يطلب من الله ثمن جهاده .. ويمن عليه وعلى دعوته .. ويستبطئ المكافأة على ما ناله .. فإن الله لا يناله من جهاد العبد شيء ..