العبد التوحيد لله، خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله.
فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه، وخوفه منه، واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولى حفظه والدفاع عنه، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا.
وبحسب إيمانه يكون دفاع الله عنه، فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم وأكمل، وإن مَزج مُزج له، وإن كان مرة ومرة، كان الله له مرة ومرة.
وكلمة التوحيد (لا إلا إلا الله) مركبة من جملتين:
(لا إله) نفي .. (إلا الله) إثبات.
فالنفي أن يخرج فكره ويقينه عما سوى الله، من الأرض إلى السماء .. ومن الذرة إلى أعظم جبل .. ومن قطرة الماء إلى البحر .. ومن البعوضة حتى الفيل .. ومن النملة حتى جبريل .. ومن أصغر مخلوق إلى أكبر مخلوق.
فكل هذه مخلوقات ليس بيدها ولا بيد غيرها من المخلوقات نفع ولا ضر، فكلها ليست بإله، وإنما هي مخلوقة مملوكة مقهورة بأمر الله.
(إلا الله): إثبات الألوهية لله وحده، فيركز فكره ويقينه بأن الله وحده هو الإله الواحد الأحد القهار، فيعبده وحده ويطيعه، فإذا اعتقد ذلك أتبعه بشهادة أن محمداً رسول الله، فيتبعه في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، لأن الله بعثه إلينا رحمة بنا وبالعالمين جميعاً، لنقتدي به كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].
والخلق والإيجاد، والتصريف والتدبير من صفة الربوبية.
والدين والشرع، والأمر والنهي، من صفة الألوهية.
والجزاء بالثواب والعقاب، والجنة والنار، من صفة الملك.
فأمر الله خلقه بإلهيته .. وأعانهم ووفقهم، وهداهم وأضلهم بربوبيته .. وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله.