خذ مثلاً رغبة إيتان أن يمنع مرور السيارات ويكتفي بجنديين يقفان على ناحية الشارع. هل درس إمكانية إلقاء الحجارة عليهما واحتمال احتياجهما إلى فرقة عسكرية كاملة لحمايتهما؟ أما فيما يتصل برحيل مئات القيادات، ألا يحتاج الأمر لآليات معينة وآلة قمعية معينة لأن قاعدة هؤلاء القادة في حالة استنفار؟ ولكن هذه الأسئلة تفترض أن صاحب الإقتراح عنده الصورة الكلية، والأمر ليس كذلك فالنموذج الإدراكى المادى يجتزئ مجموعة من الحقائق ويستبعد الحقائق الإنسانية والتاريخ، ولذا يتحوَّل الصقر الهائج من منظور الممارسة إلى نعام مضحك. خذ مثلا رغبة هذا المستوطن الذى يود ذبح العرب وإبادتهم بعيداً عن كاميرات التليفزيون، تماماً كما فعل الأمريكان في تجربة استيطانية مماثلة، وهذه هى شهوة الصقور. ومع هذا بعد التدقيق نجد أن موقفه هذا نعامى تماماً، فهو يعرف أن التجربة الأمريكية الاستيطانية الإحلالية تمت إبتداء من القرن السابع عشر في منطقة لم تكن فيها الكثافة السكانية كبيرة، تسكنها عدة «أمم» من الهنود، تتسم حضارتهم بعدم التركيب، رغم جمالها ورقتها، ومن هنا كان من السهل إبادتهم بعيداً عن عين التلفزيون الشيطانية التي لم تكن قد اختُرعت بعد. أما هذا المُستوطَن الصهيوني فقد تمت تجربته الاستيطانية ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر في منطقة تعج بالسكان الذين تحيط بهم ملايين من إخوانهم ينتمون لتراث حضاري قديم مركب. وعلاوة على كل هذا أصبح في وسعهم الآن الحوار مع الكاميرا بكفاءة غير عادية، فالتشدد هنا هو من قبيل ما يمكن تسميته «العادة السرية السياسية» ، والحلم بالمستحيل اللذيد.