والانعتاق الذاتي من المنفى الداخلي والخارجي يكون عن طريق العودة للطبيعة وللأرض: "إن أية أمة مستقلة لابد أن تضرب جذورها في أرض الآباء، تزرعها بأصابعها وتشارك في كل عمل يتطلبه وجودها" (وهذا هو الفكر القومي العضوي) . وفي الطبيعة وحدها يمكن لليهودي أن يستعيد إنسانيته المهرقة، كما أنه يمكنه أن يسترجع قواه الخلاقة. ولن يقضي على شخصية اليهودي الهامشية التجارية، شخصية السمسار، سوى العمل العبري في الزراعة، ولذا يتخيل بن جوريون أن العودة لأرض الميعاد هي عودة للطبيعة تنم عن الرغبة في الاتحاد بالوجود يقول: "نهيق الحمير في الحظائر، نقيق الضفادع في البرك، رائحة الزهور المتبرعمة، همس البحر البعيد، ظلال البيارات الآخذة في الإظلام، سحر النجوم في السماء العميقة الزرقة، السماوات البعيدة والمتألقة في نعاس ... كل شيء أصابني بالنشوة. آه إنني في أرض إسرائيل. طوال الليل جلست وناجيت السماء". وكل يهودي يبتعد عن تلك الأرض وعن هذه الطبيعة يحمل في قلبه ذكرى هذه الأرض. بل إن بن جوريون يعتقد أن هذه العودة للطبيعة وللبراءة هي المعنى الأساسي للصهيونية.
ولكن هل هذه الطبيعة حقاً بدائية؟ وهل هي حقاً أرض فراغ تنتظر الفيلسوف الصهيوني الرومانسي ليذهب إليها، لتشحذ قواه الخلاقة وليفرض إرادته عليها وليرغمها أن تمنحه ثمارها؟ وهل هي ـ في حقيقة الأمر ـ أرض بلا شعب؛ طبيعة عذراء تمكنه من التأمل في هدوء وتساعده على التركيز، وتدفعه إلى أن يفكر بشكل بسيط وواضح؟ كل هذه الأسئلة يجيب عليها بن جوريون بالإيجاب نظرياً، ولكن عملياً يعرف بن جوريون، كما يعرف غيره من الصهاينة، أن أرض الميعاد تمور بالعرب وأن على كل حجر توجد بصمة عربية ولذا كان لابد من التأمل ولكن لابد أيضاً من الزراعة المسلحة لابد من الحالوتسيم: الرواد.