وكل هذه العناصر إن هي إلا تعبير عن صهيونية عصر ما بعد الحداثة والنظام العالمي الجديد ونهاية التاريخ، فهي تفضل اللجوء إلى التفكيك من خلال آليات غير مباشرة بدلاً من المواجهة القتالية المباشرة (على أن يقوم بهذا الدور أفراد "متطرفون" يمكن التحلل من جرائمهم) . وقد لوحظ أنه مع مذبحة الخليل تم استنفار الجماهير العربية واستعادة الروح الجهادية والذاكرة التاريخية وهو ما يتنافى ومرامي النظام الاستعماري الجديد.

ولكن رغم كل هذا يبدو أن البنية الاستيطانية الإحلالية العنصرية للكيان الصهيوني، بما تحتويه من إرهاب حتمي، تجعل توقُّع تلاشي الإرهاب الصهيوني أو حتى احتواؤه دون فك هذه البنية أو التخلص منها أمراً شبه مستحيل.

وعلى أية حال صيغت الاتفاقات المتلاحقة بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية على نحو يجعل لهواجس الأمن الإسرائيلي أولوية شبه مطلقة. فنصوص أوسلو وما تلاها قد انطوت على تزييف واضح للأدوار التي لعبها الفلسطينيون والإسرائيليون إذ أصبح الفلسطينيون هم الطرف الذي تطارده لعنة الاتهام بممارسة الإرهاب وباتت أعمال المقاومة الوطنية لسلطات الاحتلال تشكل "إرهاباً" وموضع إدانة ومطعوناً في مشروعيتها بمقتضى النصوص التعاقدية بن الجانبين.

والجدير بالذكر أن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك منظمة العفو كانت قد التفتت مبكراً وفور اتفاقات أوسلو إلى خلو النصوص من الضمانات الأساسية اللازمة لحقوق الفلسطينيين. وجاءت ممارسات إسرائيل على الأرض خلال الفترة الانتقالية (الحكم الذاتي) لتعزيز الاعتقاد بأن الدولة التي لم تعلن تخليها عن عقيدتها الصهيونية العنصرية لم تتجه إلى التفريط في آليات العنف الإرهابي الذي طالما ظلت ولا تزال تعتمده مكوناً أساسياً في تعاملها مع الآخر (الفلسطيني والعربي) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015