ويوزع كاهانا خريطة لإسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات، إذ لا مجال للشك، حسب رأيه، فيما ورد في التوراة من أن "أرضنا تمتد من النيل إلى الفرات". والعنصر الجغرافي مهم جداً في فكره، كما هو الحال في الفكر الصهيوني بشكل عام. فالأرض ـ كما يقول ـ هي الوعاء الذي يضم جماعة من البشر عليهم أن يحيوا فيها حياة متميِّزة عن حياة غيرهم من الجماعات الإنسانية وأن يحققوا رسالتهم القومية والتراثية. والدولة هي الأداة لتحقيق ذلك الغرض ولتمكين الشعب من بلوغ غاياته، فالأمة هي صاحبة الأرض وسيدتها، والناس هم الذي يحددون هوية الأرض وليس العكس، والشخص لا يصبح إسرائيلياً لأنه يعيش في أرض إسرائيل ولكنه يصبح إسرائيلياً عندما ينتمي إلى شعب إسرائيل ويغدو جزءاً من الأمة الإسرائيلية.

ولا يمكن تفسير تَطرُّف كاهانا إلا بالعودة إلى النسق الصهيوني. فهو نسق يحتوي على بذور معظم هذه الأفكار والممارسات. وإذا كان هرتزل قد تحدَّث عن طرد السكان الأصليين بشكل ليبرالي عام، فذلك لأنه لم يكن (في أوربا) مضطراً إلى الدخول في التفاصيل المحددة في تلك المرحلة. لقد كان مشغولاً بالبحث عن إحدى القوى العظمى لتقف وراءه وتشد أزره وتعضده وتقبله عميلاً لها، ولذا كانت الصياغات العامة بالنسبة إلى السكان الأصليين مناسبة تماماً في تلك المرحلة. وإذا كانت الدولة الصهيونية قد احتفظت بعد عام 1948 بالديباجة الاشتراكية، فذلك لأنها كانت قد "نظفت" الأرض من معظم العرب، وكان بوسعها أن تكبل الأقلية المتبقية بمجموعة من القوانين وأن تتحدث عن الاشتراكية وعن الإخاء الإنساني. وأما الآن، فلقد زادت التفاصيل واحتدمت الأزمة وتصاعدت المقاومة. وهكذا، فإن الديباجات تسقط، وما كان جنينياً كامناً أسفر عن وجهه وبات صريحاً كاملاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015