بالتفسيرات الرمزية والروحية بحيث تفسر أوامر الطرد والإبادة تفسيراً رمزياً، الأمر الذي يخلق مجالاً للحوار مع النص المقدَّس. وهي أيضاً كنيسة عالمية، أي كنيسة تفتح أبوابها لأي إنسان، فهي تمنح المؤمن (سواء كان من المستوطنين أو كان من السكان الأصليين) حقوقاً معينة بغض النظر عن انتمائه القومي أو العنصري، وهو ما يجعل تبنِّي المستوطنين الذين يتبعون الكنيسة العالمية الرؤية الحلولية للكون والنمط الإحلالي من الاستعمار أمراً صعباً.
وكان هرتزل يدرك تماماً الاعتراض الكاثوليكي على مشروعه، ولكنه كان يعتقد أن هذا الموقف قد نَجَم عن المنافسة المستعرة بين كنيستين أو ديانتين عالميتين (اليهودية والكاثوليكية) تتنازعان القدس (باعتبارها قاعدة أرشميدس) ، وهو تفسير ينم عن عدم الفهم وعن عدم إدراك لطبيعة اليهودية. ومهما يكن الأمر، فيبدو أن هناك نوعاً من العلاقة الأساسية التي تستحق المزيد من الدراسة بين الشكل المحدد الذي تتخذه مختلف الجيوب الاستيطانية، وبين جذورها الحضارية. ولعل أطروحة فيبر، بشأن علاقة الرأسمالية بالبروتستانتية، قد تساعد بعض الشيء في هذا المضمار، شريطة أن يضع الدارس في الاعتبار الأطروحات الخاصة بالحلولية والإحلالية والعلاقة بينهما.
ومهما كان الأمر، فإن إحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني صفة بنيوية لصيقة به، ويشهد الواقع التاريخي بذلك. ففي عام 1948 (أي قبل إعلان الدولة) ، بلغ عدد اليهود في الأراضي المحتلة 649.633 يهودياً. ولو جمعنا هذا العدد في عائلات تتألف الواحدة منها من خمسة أشخاص لحصلنا على رقم 129.927 عائلة على حين كانت أملاك اليهود المشتراه حتى 1948 لا تتسع إلا إلى 35.521 عائلة يهودية - أي أن هناك 97.406 عائلة فائضة عن القدرة الاستيعابية التي يفترض وجودها في الأملاك. ولهذا، فإن استقلال إسرائيل كان يعني طرد العرب.