ويمكن أن نضرب مثلاً آخر بسياسة إنجلترا التي تلتزم بتأييد إسرائيل، وتؤيد المواقف الأمريكية بشكل شبه كامل. ولو نظرنا إلى الصوت اليهودي لوجدنا أن اليهود لا يشكلون كتلة بشرية كبيرة، فعددهم لا يتجاوز 0.6% من مجموع السكان، وهم ليسوا أقوياء من ناحية النفوذ الاقتصادي، كما أن أصواتهم موزعة بين عدة دوائر (ولذا لا يمكن الحديث عن دوائر يهودية) . ومع هذا، بلغ عدد الأعضاء اليهود في البرلمان الإنجليزي عام 1983 ثمانية وعشرين عضواً من أصل ستمائة وخمسين، وهي نسبة تفوق نسبة اليهود إلى عدد السكان. ولكن هؤلاء النواب كانوا يمثلون دوائر لا يُلاحَظ فيها وجود يهودي غير عادي، أي أنهم انتخبوا باعتبارهم بريطانيين وأعضاء في أحزاب بريطانية. وكان عدد النواب اليهود ستة وأربعين عضواً عام 1974، أي أنه حدث انخفاض كبيرفي عددهم. ولكن لا يمكن تفسير هذا الانخفاض في إطار حركيات يهودية، وإنما لابد من العودة إلى حركيات المجتمع البريطاني والجماعة اليهودية فيه. ولذا، فإن هذا الانخفاض لا يصلح مؤشراً على تراجع النفوذ الصهيوني، تماماً كما لا يصلح الحكم على وجود خمسة وزراء يهود في إحدى وزارات تاتشر في عام 1986 (وهو أكبر عدد شهدته أية حكومة بريطانية) على أساس تزايد هذا النفوذ. فالموقف البريطاني من إسرائيل موقف إستراتيجي مبدئي لن يتغيَّر بتراجع النفوذ اليهودي، بل لن يتغيَّر باختفائهم الكامل (وهو الأمر الذي يتوقعه بعض المراقبين)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015