وتَدخَّل تشرشل في السياسة الداخلية اللبنانية والصراعات بين الدروز والمارونيين مُتقلِّباً بين الفرقتين حسب قوة كل منهما. ومع مذابح عام 1860، أصدر تشرشل كتاباً آخر بعنوان الدروز والمارونيون تحت الحكم التركي من 1840 حتى 1860 اتهم فيه الدول الأوربية بالتقاعس عن أداء مهمتها لإنقاذ المنطقة من حكم الأتراك. وقد تعرَّف تشرشل في هذه الآونة إلى شخصية كان لها أثر كبير فيما بقى له من أيام هي الأمير عبد القادر الجزائري الذي ساهم بجهد كبير في إنهاء مذابح الشام عام 1860. وألَّف تشرشل عنه كتابه الأخير حياة عبد القادر الذي نُشر عام 1867 بإهداء للإمبراطور نابليون الثالث. وكان هذا الإهداء محيراً للجميع، فعبد القادر الجزائري كان عدو فرنسا اللدود كما كان تشرشل نفسه. ولكن يبدو أن خيبة أمل تشرشل في مشاريعه التوطينية والاستعمارية على يد البريطانيين هي التي دعته لهذا الإهداء. وتُوفي تشرشل عام 1869 في لبنان.
وتُمثِّل شخصية تشرشل وحياته الصاخبة نموذج عصره أصدق تمثيل، حيث اختلطت الأحلام الاستعمارية بالرؤى المشيحانية.
ولكن، لم يكن بإمكان تشرشل أن يحقِّق أحلامه وطموحاته المشيحانية الاستعمارية والدولة الإسلامية العثمانية ما زالت موجودة وقوية إلى حدٍّ ما. إلا أن هذا لم يمنعه من الاستقرار في الشرق ومواصلة محاولة لعب دور داخل في سياسته.
والجدير بالذكر أن الصهاينة المحدثين يعتبرون تشرشل أحد الآباء الأوائل للحركة الصهيونية، وهو بالفعل كذلك، فخطبه وكتاباته تضم كل أبعاد الفكر الصهيوني، أما تحركاته الدبلوماسية فتحمل كل سمات التحركات الصهيونية فيما بعد، من إدراك ضرورة البحث عن راع استعماري للمشروع الصهيوني إلى ضرورة ضرب الدولة العثمانية. كما أنه أدرك الطبيعة الوظيفية للدولة الصهيونية، وضرورة محاولة الاستفادة من الأقليات في المنطقة، وأدرك أيضاً ضرورة أن يكون هناك صهيونيتان: صهيونية استيطانية وصهيونية توطينية.