على إصلاح اليهود بتأسيس مدرسة لاهوتية للحاخامات وكلية تربية ومدرسة ابتدائية ومؤسسات للمعوقين اليهود. وقد تحقَّق ليهود المجر الإعتاق السياسي الكامل في عام 1867، وأقبلوا على التعليم العلماني إقبالاً شديداً، حيث نجد أن 35% من الطلبة في المدارس الثانوية المتخصصة من أعضاء الجماعة اليهودية (1910 ـ 1913) ، كما كان نصف أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب و40% في مدرسة بودابست الفنية منهم، وكان منهم أيضاً أكثر من نصف الأطباء ونصف الصحفيين و26% من جملة المهنيين في قطاعات الفنون والآداب، وعدد كبير من العاملين في مهنة القانون.
وقد تزايدت معدلات الاندماج والتنصر بين اليهود، وخصوصاً بين الطبقات الثرية. وأصبح الزواج المختلط مسألة عادية، وخصوصاً في العاصمة. وكانت نسبة الأطفال غير الشرعيين وكذلك نسبة الانتحار من أعلى النسب بين الجماعات اليهودية في أوربا، وهذه هي في الواقع الخلفية الأساسية التاريخية والحضارية لمؤسسي الحركة الصهيونية تيودور هرتزل (1860 ـ 1904) وصديقه ماكس نوردو (1849 ـ 1923) اللذين وُلدا في بودابست وقضيا سنوات حياتهما التكوينية هناك. ولا تختلف تجربتهما التاريخية كثيراً عن تجربة يهود الغرب، ولذا وصف هرتزل يهود المجر بأنهم «غصن جاف على شجرة اليهود» . وحينما أُسِّست حركة صهيونية في المجر عام 1897، لم ينضم إليها سوى أعداد صغيرة للغاية. وربما كانت تجربة هرتزل هذه، أي النشأة في مجتمع حقَّق فيه اليهود معدلات عالية من الاندماج، ثم انتقاله إلى النمسا ومنها إلى فرنسا حيث شاهد يهود اليديشية المهاجرين وما يلاقونه من المشقات أثناء فترة التحديث المتعثر، ربما ساهمت هذه التجربة في توصُّله إلى الصيغة الصهيونية في شكليها التوطيني والاستيطاني؛ فهي صهيونية توطينية بالنسبة ليهود الغرب وتعبِّر عن واقعهم الاندماجي وتقبُّله، ولكنها استيطانية بالنسبة إلى يهود اليديشية الفائضين.