ومن هذا المنظور، يمكن أن نرى أن التراجع المستمر للدولة العثمانية، واضطرارها لتقديم التنازلات القانونية الكثيرة (الامتيازات الأجنبية) ، كان يعني اتساع الثغرة التي سمحت للفائض البشري اليهودي بالتسلل. ومن المعروف أن الدولة العثمانية كانت ترحب بهجرة اليهود إليها منذ عملية طردهم من إسبانيا. ومع تَزايُد تَدخُّل الدول الأجنبية، وتَزايُد الأطماع في فلسطين، بدأت الدولة العثمانية تحاول أن تمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين (مع استمرار فتح الأبواب خارجها) . بل فتحت باب الهجرة أمام اليهود إلى فلسطين شريطة أن يتجنسوا بالجنسية العثمانية، أي شريطة أن يتحولوا من عنصر استيطاني (قتالي) غريب إلى عنصر وطني محلي (وكانت هذه هي السياسة الرسمية حتى عام 1914) . وكانت الدول الكبرى تتدخل لحمل الدولة العثمانية على السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين وملكية الأراضي فيها، فاضطرت الدولة العثمانية إلى إصدار قرار عام 1867 بمنح الأجانب حق ابتياع الممتلكات في فلسطين، وهو القرار الذي استفادت منه الجمعيات التبشيرية المسيحية والجماعات الاستيطانية المسيحية مثل فرسان الهيكل، كما استفاد منه المستوطنون الصهاينة في مراحل لاحقة. وحينما حاولت الدولة العثمانية منع اليهود من امتلاك العقارات في فلسطين (عام 1884) ، ادَّعت الدول العظمى أن هذا خرق لنظام الامتيازات. وكان قناصل الدول الغربية يستخدمون نفوذهم لتسهيل عملية استيطان اليهود. وحين صدرت قرارات تحرِّم هجرة اليهود (غير العثمانيين) عام 1888 ثم عامي 1891 و1898، عبَّرت الدول الغربية عن استيائها وساعدت المهاجرين على التحايل على هذه القوانين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015