وقد استقلت إسبانيا الإسلامية عن الخلافة العباسية بوصول عبد الرحمن الداخل الذي أسس فيها حكم الأسرة الأموية (757 ـ 787) وخلفه ابنه هشام الأول (788 ـ 795) الذي بدأت في عصره عملية الاندماج الحضاري والاجتماعي لليهود ـ فبدأوا يدرسون في مدارس الدولة. غير أنه نشب تَمرُّد بين اليهود في عصر الحكم الأول (796 ـ 822) في مقاطعة الأندلس عام 818 وحدث تمرد آخر في طليطلة عام 828 بالاشتراك مع المسيحيين المستعربين، وقد قُضيَ على هذه التمردات.
وشهد القرنان العاشر والحادي عشر الميلاديان تَشرُّب اليهود الحضارة العربية الإسلامية، وتَحسُّن أحوالهم المعنوية والروحية والمادية، وتعريب أسمائهم ولغتهم ورؤيتهم، وَتأثُّر آدابهم الدنيوية والدينية بالتراث العربي الإسلامي. وقد وصل اليهود في الفترة نفسها إلى مكانة عالية رفيعة، فعملوا في الوظائف الإدارية والمالية حيث كان يعمل بعضهم في وظيفة يهود البلاط، واشتغلوا بالتجارة المحلية والدولية التي كانت تصل حتى حدود الصين أو كانت تدخل إلى أوربا، واحتكروا بعض أنواع التجارة مثل تجارة العبيد (ومنهم العبيد والجواري البيض) الذين كانوا يحضرونهن من بلاد الصقالبة، واشتغلوا بالحرف مثل الصباغة كما اشتغلوا بالزراعة. وقد برز اليهود في وظائف محددة مثل التجارة الدولية والترجمة بسبب وضعهم وثقافتهم، فقد كانوا يجيدون العربية والعبرية وبعض اللغات الأوربية، الأمر الذي حوَّلهم إلى حلقة وصل وجماعة وظيفية وسيطة بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وخصوصاً أنهم كانوا ينتقلون بسهولة ويسر بين إسبانيا المسلمة وإسبانيا المسيحية، فكان اليهودي ينشأ في إسبانيا المسيحية مثلاً ثم ينتقل إلى إسبانيا المسلمة أو العكس.