ويُفسِّر كروكمال مقدرة اليهود على التغلب على الموت والاضمحلال بأن لليهود روحاً سرمدية تعرف سر تَجدُّد الحياة ذاتياً. فبينما سيطر الوجود الجسدي أو الأرض القومية على الأمم الأخرى، سيطر على اليهود روح الجماعة وحدها. بل إن كروكمال يرى أن روح هيجل المطلقة ليست سوى إله يسرائيل الذي يرتبط به الشعب المقدَّس برباط وثيق. وتحقيق إرادة هذا الإله أو الروح المطلق هو بمنزلة المثل الأعلى والمصير المحتوم للشعب اليهودي. وبذا، تصبح الأمة اليهودية لا مجرد ظاهرة حضارية منعزلة عن كل الحضارات القومية الأخرى، بل على العكس تصبح وثيقة الصلة بها وتحتويها جميعاً في وحدة عضوية منسجمة. والواقع أن كروكمال، بهيجليته العضوية الواحدية، لم يبتعد كثيراً عن أحد التيارات المهمة في الفكر الديني اليهودي، أي الحلولية الواحدية. ونحن نرى، في واقع الأمر، أن الصورة المجازية الحلولية التقليدية حينما تتم علمنتها تتحول إلى صورة مجازية عضوية متطرفة.

ويُعَدُّ كروكمال من أوائل المفكرين اليهود (في العصر الحديث) الذين حاولوا علمنة المفاهيم الدينية التقليدية مثل الشعب المختار. كما أنه، في دراساته، لم يعالج الدين اليهودي وحسب، بل حاول أن يربط الدين بما سماه «الشعب اليهودي» أي أنه مزج بين فلسفة التاريخ والميتافيزيقا وجعل من التاريخ (وليس النسق الديني) مركزاً للمطلقية والقداسة. وقد مهَّد بهذا لظهور الفكر الصهيوني بغيبياته العلمانية وبخلطه بين الانتماءين الديني والقومي.

هاينريش جرايتز (1817 – 1891)

Heinrich Graetz

طور بواسطة نورين ميديا © 2015