هـ) أما الجانب الآخر للحلولية وهو إلغاء الحدود تماماً فيتضح في أن اليهود يحوّلون أنفسهم إلى مرجعية ذاتهم فهم يبحثون عن دين يجعلهم شعباً مختاراً. وبدلاً من طاعة الإله يطوعونه، ولذا فهم يستخدمون الدين استخداماً نفعياً. فلم يؤمن بنو إسرائيل لرسول ما لم يأت بما تهوى أنفسهم «أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون» (البقرة: 87) . ونقضهم ينبع من عملية تَوثُّن الذات هذه فقد وصف القرآن اليهود في غير موضع بنقض العهود ( «وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ... ثم توليتم من بعد ذلك» [البقرة: 63ـ 64]ـ «وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ... ثم توليتم إلا قليلاً» [البقرة: 83] و «أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون» [البقرة: 100] ) . فقد نبذوا عهود الله وعهود الأنبياء وعهود الناس، وإن كان الوصف القرآني الدقيق ينسب نبذ العهد إلى فريق وعدم الإيمان إلى الأكثرية لا إلى كل اليهود.

و) وتتضح الحلولية وتحطيم الحدود في أن العقيدة اليهودية، كما يصفها القرآن، ليست لها معيارية ثابتة وإنما تتداخل مع العقائد الأخرى. ولذا فاليهود يتأثرون بعقائد وثقافات الأمم التي يعيشون بينها أو يحتكون بها " قالوا يا موسى إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة " (الأعراف: 138) وهذا ما نعبِّر عنه بعبارة «اليهودية كتركيب جيولوجي تراكمي» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015