ويُعبِّر نموذج الاستمرار هذا عن نفسه فيما يمكن تسميته القياس التاريخي الزائف الذي يفترض أن الظواهر المحيطة بيهود اليوم تشبه في كثير من الوجوه الظواهر التي واجهها اليهود في ماضيهم السحيق. فنجد، مثلاً، أن حاييم وايزمان يطالب العرب في خطابه أمام المؤتمر الصهيوني العشرين (1937) بالتفاوض مع اليهود مذكراً إياهم بأنه، في الفترات العظيمة من التاريخ العربي، تعاون الشعبان معاً في بغداد وقرطبة على حفظ كنوز الثقافة العربية. فالعرب في نظره ما زالوا كما كانوا، واليهود أيضاً لم يتغيروا، أما الظروف التاريخية المتغيرة فهي أمر ثانوي يحسن التغاضي عنه كلية. ومن أطرف الأمثلة على هذا الإيمان باستمرار إسرائيل، وعلى القياس التاريخي الزائف، ما صرح به أستاذ للتاريخ بالجامعة العبرية من أن جنود إسرائيل رأوا البحر الأحمر لأول مرة في يونيه عام 1967 بعد غياب دام بضعة آلاف من السنين، أي بعد عبورهم إياه مع موسى حينما كان يطاردهم فرعون مصر! وقد كان من الشائع في الولايات المتحدة، بعد حرب 1967 مباشرة، أن يحاول بعض الحاخامات تفسير أسفار العهد القديم، مبينين أن معارك يونيه ليست إلا تكراراً لمعارك حدثت من قبل. ويحاول بن جوريون تبرير عسكرة المجتمع الإسرائيلي باللجوء إلى أسطورة الاستمرار، فيقول: «إن جنود موسى ويوشع وداود لم يكفُّوا عن القتال ... وكذلك جنود صهيون [أي دولة إسرائيل] لن يتوقفوا عن القتال» . ويقوم بعض المعلقين العسكريين الإسرائيليين بعقد المقارنات بين فرسان داود وسليمان ودبابات الجيش الإسرائيلي، كما يقيمون الندوات لبحث أوجه الشبه والخلاف بين أساليبب جدعون وتكتيكات ديان. بل إن الصراع العربي الإسرائيلي بأسره ينظر إليه على أنه استمرار لصراع العبرانيين مع الفراعنة والآشوريين والبابليين والفينيقيين. ويتبدَّى نموذج الاستمرار اليهودي في فكرة النقاء العرقي والحضاري لليهود، لأن فكرة الاندماج والاختلاط بالآخرين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015