ويظهر قصور المقدرة التفسيرية لنموذج المصير اليهودي إذا ما درسنا السلوك الفعلي لأعضاء الجماعات اليهودية خارج إطار هذه المقولات الأسطورية. فيهود الولايات المتحدة قد ربطوا مصيرهم كليةً بمصير بلدهم، برغم كل ادعاءاتهم الصهيونية. كما أن اليهود الأمريكيين الذين اشتركوا في الحرب العالمية الثانية بلغ عددهم خمسمائة وخمسين ألفاً، جرح منهم أربعة وعشرون ألفاً، وحصل ستة وثلاثون ألفاً على نياشين، وقتل منهم عشرة آلاف وخمسمائة من أجل وطنهم، وهو عدد يفوق عدد جملة اليهود الذين ماتوا دفاعاً عن الوطن القومي اليهودي. كذلك، فإن يهود الولايات المتحدة لا يهاجرون الى هذا الوطن القومي، علماً بأن عدد من يزور منهم هذا الوطن للسياحة لا يزيد على 10% وابتداءً من العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، أخذ المصير اليهودي (أو مصير الأغلبية العظمى من يهود العالم) يرتبط بالمصيرالأمريكى، إذ أن ملايين المهاجرين اتجهوا إلى الولايات المتحدة وتجاهلوا أرض الميعاد تماماً عدا أعداداً قليلة للغاية. ولا يزال هذا البلد الذهبي (جولدن مدينا) الغريم الأكبر للدولة الصهيونية حيث يهاجر مواطنوها بأعداد متزايدة إلى أرض الميعاد الأمريكية التي تحقق للجميع قسطاً أكبر من الأمن. وكذلك يفعل يهود أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا. كما أن المهاجرين من روسيا وأوكرانيا يتجهون أساساً، هم أيضاً، إلى الولايات المتحدة متى سنحت لهم الفرصة. فإذا أضفنا إلى هذا الاتفاق الإستراتيجي بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة، والاعتماد شبه الكامل لهذه الدولة على الدعم الأمريكي بحيث أصبح مصيرها في يد راعيها الأكبر، فإننا نستطيع أن نقول بكثير من الإطمئنان إن المصير اليهودي، إن كان ثمة مصير مستقل، هو نفسه المصير الأمريكي. فالمصير اليهودي خاضع تماماً للإرادة الأمريكية. وهو، على كلٍّ، أمر متوقَّع بعد أن قامت المنظمة الصهيونية العالمية بتوقيع عقد صامت مع الحضارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015