بعد تقسيم بولندا للمرة الثالثة، ضمت روسيا غالبية يهود اليديشية. وتزامنت هذه العملية مع تغيرات سياسية واقتصادية كان المجتمع الروسي يمر بها في مجرى انتقاله من مجتمع زراعي إقطاعي إلى مجتمع صناعي. فعلى الصعيد السياسي، قامت محاولة لفرض ضرب من الوحدة على مئات الأقليات والتشكيلات الحضارية حتى يتسنى للحكومة المركزية التعامل معهم. وعلى الصعيد الاقتصادي، بدأت تظهر في روسيا اتجاهات نحو التصنيع، وتحديث بنية المجتمع الاقتصادية. وكانت عملية التحديث هذه تتم تحت إشراف القياصرة المطلقين وطبقة النبلاء الإقطاعيين، ومن خلال بيروقراطية غير مستنيرة وغير مؤهلة عرقلت عملية تحديث المجتمع، فأدَّى ذلك إلى قيام الاضطرابات والثورات التي انتهت بالثورة البلشفية عام 1917.

وقد حدَّدت هذه الأوضاع علاقة الجماعات اليهودية بكل من المجتمع الروسي والدولة الروسية. فاتبعت الدولة معهم، مثلهم مثل غيرهم من الأقليات، سياسة الترويس بالقوة حتى يتم استيعابهم ودمجهم في الثقافة الروسية.

ومنذ بداية القرن التاسع عشر، ومع المحاولات الأولى للحكومة الروسية في مجال تحديث وترويس الجماعات اليهودية، أدرك المسئولون في الحكومة الدور الفعال الذي يمكن أن يلعبه التعليم الحديث في هذا المضمار، ومن ثم اتخذ المسئولون من التعليم وسيلة لتحديث تربية أعضاء الجماعات اليهودية ودمجهم في الإطار الثقافي العام للمجتمع. وساعد الحكومة القيصرية في جهودها رواد حركة التنوير.

بدأ التيار التنويري يدخل روسيا عن طريق أوربا الغربية وبالذات ألمانيا منذ بداية القرن التاسع عشر. وكانت ليتوانيا وأوكرانيا من المناطق الأولى التي دخلها الفكر التنويري، وقد حمله إليهما التجار والعلماء المتجولون والأطباء. كما ساعد اشتراك بعض اليهود من مدن ليتوانيا وبولندا في الدوريات التي أصدرها دعاة التنوير في ألمانيا في نشر الفكر التنويري بين بعض أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015