واشتهرت المدارس العليا في شرق أوربا بطريقة في التدريس عُرفت باسم «بلبول» . وكانت هذه الطريقة قائمة علي محاولة اكتشاف التناقضات الكامنة في التلمود دون التعليق عليه، ثم تُطرَح الحلول التي تفسر هذه التناقضات، وبعد أن يتم ذلك تُكتَشَف التناقضات في الحلول نفسها، ومن ثم تُطرَح حلول جديدة. وتستمر هذه العملية إلى أن يتم توضيح الموضوع (محور المناقشة) تماماً. وتحوَّلت هذه الطريقة إلى ضرب من السفسطة وإلى محاولة لإيجاد توازنات فكرية لا علاقة لها لا بالزيف ولا بالواقع، كما أن محاولة الوصول إلى تفسيرات جديدة أدَّت في كثير من الأحيان إلى تحريف المعنى الأساسي. وأدَّى التعليم الذي ساد بين يهود اليديشية، في مرحلتيه الأولية والعالية، إلى تدعيم عزلة الجماعات اليهودية حضارياً وثقافياً. ومن ثم، فقد حافظ التعليم على هوية اليهود الدينية وثقافتهم اليديشية التي كانت تشكل قلعة حصينة من التقاليد عملت على استمرار عزلة الجماعات اليهودية عن المجتمعات الأوربية التي عاشوا فيها، وعن التطورات الثقافية والحضارية التي حدثت في هذه المجتمعات.
وحين تدهورت حياة الجماعات اليهودية في بولندا نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد انتفاضة القوزاق بقيادة شميلنكي (1648) ، وتآكلت أُطُر الإدارة الذاتية، لم تَعُد مجالس القهال قادرة على الاضطلاع بوظائفها الاجتماعية والتشريعية والاقتصادية، وتدهورت الأوضاع الثقافية والتعليمية للجماهير اليهودية نتيجة ذلك. كما ازداد بؤس الجماهير وفقرهم ولم تَعُد الثقافة التلمودية، بشكليتها وتعاليمها الجافة، قادرة على الوفاء باحتياجاتهم الروحية، فظهرت الحركة الحسيدية كرد فعل لسيطرة اليهودية الحاخامية المتعالية على جماهير الشعب وكنتيجة لانفصال الدراسات التلمودية الجافة عن الحياة والواقع. ومع تقسيم بولندا للمرة الثالثة عام 1795، انتقل معظم يهود اليديشية إلى الحكم الروسي.