من الصعب فهم الأوضاع التربوية والتعليمية للجماعات اليهودية في العصور الوسطى في الغرب إلا في إطار نظام الإدارة الذاتية الذي عاشت في ظله الجماعات اليهودية كجماعات وظيفية (مالية) تضطلع بوظيفة محدَّدة وتدخل في علاقة موضوعية تعاقدية مع المجتمع المضيف. وكان للجماعات اليهودية تنظيمها الإداري المستقل (كما كان مُتَّبعاً في المجتمع الغربي الوسيط) الذي قام بإدارة كل المؤسسات الاجتماعية للجماعة اليهودية، ومن بينها النظام التربوي بما في ذلك تعليم الأطفال والكبار والتعليم العالي للأفراد الراغبين فيه والذين تحتاج إليهم الجماعة لإدارة شئونها. وكانت اليهودية الحاخامية (التلمودية) المكوِّن الأساسي والموجِّه الرئيسي لحياة الفرد والجماعة. ومن ثم، فإنها كانت تشكل أساس النظام التربوي. ورغم أن كل جماعة يهودية في أوربا شكلت جماعة إثنية دينية مستقلة عن المجتمع الذي تعيش في كنفه، إلا أن ثقافة كل جماعة تأثرت وتشكلت بالأوضاع الثقافية في كل مجتمع على حدة. ففي شمال أوربا وشرقها، حيث كانت الأوضاع الحضارية متدنية، سيطر تحالف من رجال الدين ورجال المال على الجماعة اليهودية، فانغلقت على نفسها وتكلست. وساهم هذا الوضع بدوره في زيادة انعزالهم عما يجري حولهم في المجتمع المحيط. وأدَّى هذا الوضع إلى ضيق أفق مناهج الدراسة وعقم طرقها.

أما إيطاليا (في جنوب أوربا) وإسبانيا (في غرب أوربا) ، فكانتا خاضعتين لتأثير الحضارة العربية الإسلامية المزدهرة آنذاك. لذا، فكانت أوضاعهما الحضارية والثقافية أكثر تقدماً وانفتاحاً، ومن ثم كانت الجماعات اليهودية في هذين البلدين أكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع البيئة الثقافية المحيطة، كما كانت المؤسسات التربوية والتعليمية داخل هذه التجمعات أكثر اتصالاً بالتيارات الثقافية السائدة، فاتسعت مناهج الدارسة لتشمل مواد غير دينية مثل الفلسفة والمنطق والشعر والرياضيات والفلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015