منذ منتصف القرن الثاني الميلادي، كانت الجماعة اليهودية في بابل أكثر الجماعات اليهودية أمناً وازدهاراً. وقد قُدِّر لهذه الجماعة أن تلعب دوراً مهماً في تطور العقيدة اليهودية، وفي توجيه الحياة الثقافية والتربوية لليهود. ومما ساهم في زيادة الأثر الثقافي والديني ليهود بابل على التجمعات اليهودية المنتشرة في حوض البحر الأبيض المتوسط، دخول معظم هذه الأرجاء تحت الحكم الإسلامي منذ القرن السابع الميلادي. وقد ساهم وجود اللغة والإطار السياسي والإداري المشترك في زيادة الاتصال بين الجماعات اليهودية وإيجاد أسلوب حياة بينهم متشابه إلى حد كبير (بين القرنين السابع والحادي عشر الميلاديين) .

وعاشت الجماعات اليهودية في بابل كأقلية تدير أمورها ذاتياً، شأنها في ذلك شأن الأقليات الأخرى كافة. وترأس الجماعة اليهودية رأس الجالوت (المنفى) . وانتشر اليهود على هيئة جماعات صغيرة يشرف على شئونها المدنية والدينية رئيس يُعيِّنه رأس الجالوت، ومجلس محلي مكوَّن من سبعة أعضاء. وكان من وظائف هذا المجلس الإشراف على المؤسسات الدينية والتربوية. وفي المدن التي وُجدت بها حلقات تلمودية، كان على المجلس أن يقيم بيتاً للدراسة.

تقبَّل يهود بابل تقاليد الفريسيين التي رأت أن الشريعة اليهودية طريقة حياة كاملة تشكل وتؤثر على كل أوجه الحياة الدينية والمدنية للفرد. فكانت التوراة (كما فسَّرها الحاخامات) والمشناه العملين الأساسيين اللذين وجَّها الحياة الدينية لليهود وكذلك وجها تربيتهم. ومنذ القرن الثاني الميلادي، أصبح للجماعة اليهودية الحلقات التلمودية الخاصة بها والتي قامت بالتفسير والإفتاء وإصدار القوانين والتشريعات. وبدأ في هذه المرحلة تحوُّل بعض قطاعات من أعضاء الجماعة اليهودية إلى جماعات وظيفية وسيطة تضطلع بوظائف التجارة والربا وجمع الضرائب، وإن ظل العدد الأعظم من أعضاء الجماعة اليهودية يعملون بالزراعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015