أما فيما يتصل بتكوين فرويد الثقافي فنحن نعرف أنه درس العبرية والتوراة في طفولته. ومن المؤكد أن فرويد كان على علم بالتراث القبَّالي فأبواه كانا من خلفية حسيدية، وكان جلينيك، وهو واحد من أشهر العلماء القبَّاليين، يعطي محاضراته في فيينا في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر. ورغم أن أحداً لم يدرس مدى معرفة فرويد بالحركة الفرانكية التي نبعت من الحركة القبَّالية، وحققت انتشاراً واسعاً بين العناصر الثورية اليهودية، إلا أن بوسعنا أن نفترض أن فرويد كان على علم بها وبرؤيتها للكون. وعلى كل لا يتطلب التأثر بالأفكار المعرفة المتخصصة والقراءة المباشرة للأعمال الأصلية، إذ يكفي أن يعيش المرء في مناخ فكري معيَّن وداخل تشكيل ثقافي معيَّن ليستوعب أفكاره الرئيسية. وهناك الملايين من «الرومانتيكيين» في بلادنا ممن استقوا رؤيتهم الرومانسية لا من جان جاك روسو ولا أشعار جوته أو وردزورث وإنما من الأغاني والأفلام والروايات العاطفية الشعبية والثقافة الشائعة. والمناخ الذي كان يعيش فيه فرويد ويتحرك كان مشبعاً بالأفكار والصور الحلولية الكمونية اليهودية. وذكرى الحركة الفرانكية ذات النزعة الترخيصية كانت لا تزال حية في الأذهان، بخاصة بين يهود اليديشية في جاليشيا، وفلولها كانت لا تزال موجودة، وابنة رئيس الحركة (التي تقول بعض المراجع إنها كانت تعاشر أباها جنسياً، كجزء أساسي من طقوس الجماعة الترخيصية) ظلت تترأس الحركة حتى وفاتها في منتصف القرن التاسع عشر، وكان كثير من أعضائها منبثين بين النخبة الثقافية في أوربا.