في هذا الإطار، يعارض تشومسكي الرؤية الهوبزية الداروينية النيتشوية ومنطق القوة الصماء، فالتضامن الإنساني (خلافاً للصراع المادي) هو آلية البقاء الجديرة بالاحترام. وهو، لهذا، يرفض التفسيرات الآلية (مثل تفسيرات السلوكيين) لأنها تفشل في تفسير طبيعة البشر التي تميل نحو الحرية والإبداع وتفشل في تفسير وعي الإنسان. وهي تفسيرات تُلغي ثنائية الإنسان والطبيعة، فالإنسان، من منظور سلوكي، شأنه شأن الكائنات الأخرى، ليست عنده مقدرة توليدية تضمن حريته، وإنما هو مجموعة من العادات المكتسبة من خلال عملية تطويع (وتكييف) . ولذا يكون هدف المجتمع، من منظور سلوكي، زيادة التحكم في الفرد وتطويعه، فالسلوكية والإمبريقية مرتبطتان تماماً بعملية التحكم. وكل هذا يؤدي إلى ظهور «الخبراء» الذين يدَّعون أنهم خبراء في حقل لا تُوجد فيه بالضرورة خبرة علمية إذ يجب أن تسود فيه الاعتبارات الخلقية الإنسانية العامة.

وانطلاقاً من هذه الثنائية، يطرح تشومسكي صورة المجتمع الإنساني المثالية، فهو مجتمع يتكون من تجمعات طوعية تلقائية تقضي على البنَى الهرمية القمعية. وهو يذكر باستحسان كبير مقولة ماركس عن العمل في المجتمع المثالي، حيث يصبح العمل لا مجرد وسيلة للحياة وإنما تعبيراً عن حاجة إنسانية كبرى، فيصبح العامل مدفوعاً للعمل بنزعته الجوانية التلقائية (لا القسر الخارجي البراني) . ورغم مثالية هذه الصورة، إلا أن تشومسكي يبيِّن أن هناك دلائل إمبريقية عليها. فالأسرة، على سبيل المثال، كيان اجتماعي يعبِّر بشكل جيد عن الإمكانات الكامنة عند الإنسان إذ لا يحاول أفراد الأسرة تعظيم الربح وإنما يتعاملون مع بعضهم البعض داخل إطار من التضامن والتعاون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015