ولكن مفهوم الطبيعة البشرية بالنسبة لتشومسكي ليس مفهوماً إمبريقياً محضاً، ففي حوار له مع بيل مويرز طرح عليه هذا الأخير الإشكالية الهوبزية بطريقة ماكرة إذ سأله: «هل تعتقد أن البشر يحنون بطبيعتهم للحرية ... أم أنهم على استعداد لأن يخضعوا للنظام مقابل الأمن والأمان؟» فكان رد تشومسكي قاطعاً: «هذه مسائل خاصة بالإيمان لا المعرفة، تُوجِّه آمالك نحو ما تؤمن به.. وأنا أحب أن أؤمن بأن الناس قد وُلدوا أحراراً، ولكنك إن طلبت مني دليلاً على ذلك لما أمكنني أن أعطيك إياه» . فسأله مويرز في دهشة: "أنت تتحدث عن الإيمان، فهل «تؤمن» بالحرية؟ " فأجابه تشومسكي: "أحاول ألا يكون إيماني غير عقلاني، فنحن يجب أن نسلك على أساس معرفتنا وفهمنا مع تمام العلم بأن معرفتنا محدودة ... ولكنه، على أية حال، إيمان خاضع لاعتبارات الحقائق والعقل". وتشومسكي، بهذا، قد طبَّق على الطبيعة البشرية نفسها المنهج العقلاني الذي طبقه على البحث اللغوي، وهو أمر منطقي أن نبدأ بما نتصوره المقدرة المثالية ثم ندرس الأداء الفعلي: المثالي قبل المادي، والعقلي قبل الحسي، والإنساني قبل الطبيعي.