ويذهب ماركوز ـ شأنه شأن الماركسيين ـ إلى أن المجتمع الفاضل هو المجتمع الذي لا يستغل الإنسان فيه أخاه الإنسان. كما يتفق مع فرويد في أن إرجاء الإشباع وممارسة قدر من الكبت وقمع الغرائز أمر أساسي إن كان للحضارة أن تستمر. وحسب تصور ماركوز وصل التطور التكنولوجي إلى الدرجة التي أصبح القمع الشديد معها ليس ضرورياً بعد أن أدَّى قمع الغرائز وظيفته التاريخية. فالإنسان الغربي طوَّر تكنولوجيا تجعل بإمكان كل شخص أن يعيش في حرية وكرامة وإشباع دونما حاجة لقمع، وأصبح بوسع الإنسان (خصوصاً الإنسان الغربي) أن يعيد تشكيل المجتمع بما يتفق مع معايير العقل بحيث يصبح مجتمعاً مثالياً فاضلاً. ويحاول ماركوز في كتابه الجنس والحضارة أن يعطي صورة لهذا المجتمع الفاضل الجديد (الذي يحمل كل سمات نهاية التاريخ المشيحانية التي تسم كل الأنساق العلمانية الثورية والليبرالية مؤخراً) . وقد تنبأ ماركس بأن الإنسان في المجتمع الشيوعي سوف يصطاد في الصباح ويرعى الأغنام في الظهيرة ويمارس النقد في المساء. ولا تختلف رؤية ماركوز عن ذلك كثيراً، فالإنتاجية في هذا المجتمع المثالي لا تتم من خلال قمع الرغبات والزهد والاغتراب إذ أن الملكية الاجتماعية لأدوات الإنتاج المتطورة ستجعل الطاقة الغريزية تعود لشكلها الأصلي. كما أن وقت العمل الذي يسبب الاغتراب سيصل إلى الحد الأدنى ويختفي، بحيث يصبح اللهو مثل العمل، كما يمكن تنظيم العمل بحيث يتفق مع احتياجات الإنسان الفردية.