ولكن ما علاقة البنية بالإنسان الفرد؟ تبدأ المنظومة البنيوية في الانتقال التدريجي من تأكيد أسبقية الإنسان على الطبيعة (أو الكل) إلى إعلان المساواة والتسوية بينهما. ولإنجاز ذلك، يلجأ البنيويون إلى الحل الحلولي الكموني التقليدي، وهو الزعم بأن ثمة تماثلاً (بالإنجليزية: هومولوجي homology) بين العقل والواقع، وأن البنية بهذا المعنى متطابقة مع كل من العقل والواقع. والبنية التي تُماثل الواقع كامنة في العقل الإنساني، لا بمعنى عقل الأفراد وإنما العقل الجمعي للإنسانية بأسرها منذ بداية التاريخ حتى الآن، لا فرق في هذا بين العقل البدائي والعقل المتحضر. وهي بنية ثابتة لا تتغيَّر بتغير الزمان أو المكان ولا تتأثر بتغير الأفراد أو المجتمعات أو التحولات التاريخية، وهي لا تعكس الواقع المادي أو مشاعر الفرد أو التاريخ الإنساني وإنما تُعيد إنتاجها كلها حسب أشكالها الثابتة الكامنة.
لكن، كما هو الحال دائماً مع النظم الحلولية، يتساقط هذا التماثل بين الإنساني وغير الإنساني. ويتحرك غير الإنساني إلى المركز ليؤكد أن له الأولوية والأسبقية (في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير) ومن ثم يتحرك الإنساني إلى الهامش ويذوي ويختفي ويذوب في الكل اللاإنساني. وبالفعل، نكتشف أن البنية التي قيل إنها كامنة في عقل الإنسان أمر لا شعوري يقع خارج إرادة الإنسان. فالإنسان داخل المنظومة البنيوية ليست له إرادة مستقلة أو وعي مستقل، هو مجرد مفردة تتشكل منها جُمل لغوية ومنظومات أسطورية. والذات الإنسانية الواعية إن هي إلا جزء من بناء ضخم شامخ يتحرك حسب هواه أو قوانينه، وما الذات سوى حامل ترتكز عليه البنية.