العقل يحوي من المعاني ما يفوق ما يوجد في الواقع من أشياء. وهذه هي طريقة ليفي شتراوس في الحديث عن أسبقية الإنسان على الطبيعة. ويذهب ليفي شتراوس إلى أن مشكلة الإنسان الحديث هي أنه قد قمع هذا الاتجاه في العقل الإنساني نحو توليد الرموز والإشارات.
هل هذا يعني أن الإنسان هو المرجعية النهائية في الكون وأن العقل يُولِّد معياريته النهائية من داخل ذاته؟ هنا سنكتشف نمط التمركز حول الذات الذي يؤدي إلى التمركز حول الموضوع، وسنجد أنه قد بدأ يؤكد نفسه بشكل حاد. ولكن التمركز حول الموضوع سيأخذ في حالة البنيوية شكل التمركز حول البنية.
وكلمة «بنية» لها معنى محدَّد في الفلسفة البنيوية. فهي تُستخدَم في علم اللغة البنيوي للإشارة إلى المنهج الذي يدرس السمات اللغوية المختلفة لا كتفاصيل في حد ذاتها وإنما كجزء من بنية عامة لا يمكن أن تُردَ إلى ما دونها. وقد استُخدمت الكلمة بعض الوقت في علم اللغة للإشارة إلى منهج العالم اللغوي بلومفيلد حيث كان يقوم بتقسيم السمات المباشرة للكلام وتصنيف هذه السمات، وهذا ما سماه تشومسكي «البنية السطحية» . ومقابل ذلك، طرح تشومسكي مفهوم «البنية العميقة» أو «البنية الكامنة» . ولذا سَمَّى تشومسكي اتجاهه في علم اللغة «النحو التوليدي» . ولكن يمكن القول بأن كلمة «توليدي» كما يستخدمها تشومسكي ترادف تقريباً كلمة «بنيوي» كما يستخدمها ليفي شتراوس (في علم الأنثروبولوجيا) أو جان بياجيه (في علم النفس) .