وإلى جانب ممثلي أخلاق الضعفاء، يوجد يهود آخرون يعيشون في عالم الحس خارج نطاق قيم الخير والشر، أبطال لا علاقة لهم باليهود المساكين الذين صوَّرهم الأدب اليديشي، ولا بالحالمين المثاليين في الأدب ذي التوجه الصهيوني. أما أبطال بابل فهم، على حد قول أحد النقاد، مثل الخمرة الحمراء الرديئة المليئة بالفقاقيع، فمنهم امرأة يهودية ضخمة تدير بؤرة للصوص وماخوراً للدعارة، ومنهم شحاذون ذوو ذقون مدببة يحرسون مقابر اليهود ويتحدثون عن عبث الوجود الإنساني، ومنهم رؤساء عصابات يُدخلون الرعب على قلوب تجار أوديسا وشرطييها، ومنهم ذابحون شرعيون وحسيديون بولنديون. هذا الجانب من أدب بابل يُعبِّر عن وعيه بالجانب الحسي لعالم يهود اليديشية، ولكنه عالم آخذ في الاختفاء بسبب تصاعُد معدلات العلمنة والتحديث، خصوصاً بعد الثورة. ومن هنا يتحوَّل أدب بابل إلى مرثية اختفاء هذا العالم، ولكنها مرثية كوميدية. وهذه النغمة هي التي تنقذه إلى حدٍّ ما من العدمية التي تسم كثيراً من الأعمال الحداثية وتُحل محلها شكلاً بدائياً مباشراً من تأكيد الحياة. فعلى سبيل المثال، هناك بيت للعجزة اليهود يحاول أن يضمن لنفسه الاستمرار بأن يتحوَّل إلى تعاونية اشتراكية للدفن، ولكنه لا يمكنه البقاء إلا بالحفاظ على الجثمان الوحيد لديه وعدم دفنه. ومن ثم، فإن أول جنازة حقيقية ستقوم بها هذه المؤسسة الاشتراكية تعني، في واقع الأمر، نهايتها. وهناك قصة أخرى عن حياة طفل يُسميه أبواه الشيوعيان الملحدان «كارل» ، ولكن جديه يختنانه سراً، ومن ثم يُسمَّى الطفل «كارل ـ يانكل» (كارل ـ يعقوب) . وفي قصة ثالثة، ينضم ابن أحد الحاخامات للحزب الشيوعي (رمز الجديد) ولكنه يستمر في الحياة مع أبويه لأنه لا يريد أن يترك أمه (رمز القديم) . وفي قصة رابعة، يموت ابن الحاخام الشيوعي في معركة ولكنهم (بعد موته) يجدون في أوراقه صورة للينين وأخرى لموسى بن ميمون وقرارات للحزب الشيوعي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015