ولكن، إذا كانت هناك علاقة بنيوية وسببية قوية بين الدين واغتراب الإنسان عن جوهره وبين الدين المسيحي والبورجوازية، أي تنظيم المجتمع على أسس بورجوازية (وهي علاقة تؤدي إلى التفتت والذرية) ، فإن ثمة ما يشبه الترادف بين اليهودية والبورجوازية بل التوحد الكامل بينهما. فجوهر اليهودية الحقيقي تحقَّق في المجتمع البورجوازي الذي هو في واقع الأمر علمنة لليهودية. بل يمكن القول بأن اليهودية هي البورجوازية، فكما أن المجتمع البورجوازي لا يبلغ اكتماله إلا في العالم المسيحي، فإن اليهودية لا تبلغ ذروتها إلا مع اكتمال المجتمع البورجوازي. فالبورجوازية هي أعلى مراحل المسيحية، واليهودية هي أعلى مراحل البورجوازية (هذا إن أردنا استخدام الخطاب اللينيني في توصيف الأمور) .

ويتناول ماركس النسق الديني اليهودي من خلال بعض الأفكار الخاطئة، في تصوُّرنا، والتي شاعت في الفكر الألماني عن اليهودية، وهي تعود إلى فكر موسى مندلسون ومنه انتقلت إلى كانط فهيجل. يقول ماركس: شريعة اليهود غير العقلانية إن هي إلا صورة دينية ممسوخة للأخلاق والقانون بشكل عام. إن هذه الشريعة هي فكرة الحقوق الشكلية الخالصة التي يحيط بها عالم الأنانية نفسه (أي أن المجتمع الذري يحل محل الجماعة العضوية المتماسكة) . إن أسمى أنواع العلاقات الإنسانية داخل اليهودية هو العلاقة القانونية، علاقة الإنسان بقوانين لا تستمد فعاليتها من كونها قوانين نابعة من إرادته هو نفسه وجوهره وإنما تستمد هذه الفعالية من أن هذه القوانين هي سيده وأن أي انحراف عنها يقابله العقاب. ففكرة الشريعة اليهودية، بشعائرها الكثيرة، تقف (في تصوُّر ماركس) على الطرف النقيض من فكرة الدولة الحقة التي يحقق الإنسان جوهره من خلالها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015