وكما أسلفنا، يميِّز الفكر الألماني الرومانسي، ثم من بعده الاشتراكي، بين الجماعة العضوية المتكاملة التي تُعبِّر عن الجوهر الإنساني من جهة، ومن جهة أخرى المجتمع التعاقدي الذي يخفي هذا الجوهر ويطمسه ويجعل الإنسان يغترب عن ذاته. وتظهر الفكرة نفسها على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تمييز ماركس بين المواطن وعضو المجتمع المدني. أما المواطن (ممثل النوع البشري) فهو عضو الجماعة السياسية المتكاملة (متمثلة في الدولة الليبرالية الحقة الكاملة) وهذه الدولة هي مجال الحرية الكامل الذي يتحقق من خلاله الإنسان ولا يغترب عن جوهره. وليس بإمكان هذه الدولة أن تقوم بدورها هذا إلا بعد أن تصبح عقلانية تماماً، بأن تفصل نفسها تماماً عن كل المؤسسات غير العقلانية غير الإنسانية، مثل الكنيسة والملكية والأرستقراطية، بحيث تصبح أداة الجماعة السياسية التي يعيش داخلها المواطن ممثلاً للنوع. ويُلاحَظ أن الافتراض أو الأمل هنا هو ألا يكون القانون الخارجي للدولة إلا تعبيراً عن القانون الداخلي للإنسان ورغباته الذاتية. ولكن كيف يمكن للذات أن تلتقي بالموضوع ويلتقي الخاص بالعام والمحلي بالعالمي؟ يتجاوز ماركس هذه الثنائية بتبنِّي الفكرة المحورية في فلسفة الاستنارة، وهي تصوُّر وجود عقل (وجوهر) إنساني عالمي عام ثابت لا تتغيَّر قوانينه أو سماته، ويحاول الإفصاح عن نفسه في كل مكان وزمان، ويمكن أن تتحقق عملية الإفصاح بشكل كامل إذا أزيلت العوائق من طريقها. والمشروع الثوري يصبح، إذن، عملية إزالة للعوائق وتأسيس للدولة التي تجسد هذا العقل وهذا الجوهر حتى يمكنها أن تُعبِّر عن الإنسان العقلاني وجوهره. وغني عن الذكر أن مثل هذه الدولة ومثل هذا الموقف يرفضان تماماً أية خصوصية باعتبارها قيوداً على هذه العقلانية العامة.