ومما لا شك فيه أن الإحساس بخطر الإبادة إحساس حقيقي متجذر في الوجدان الإسرائيلي. ولكننا نذهب إلى أن أساسه الحقيقي ليس خطر الإبادة على يد النازيين، وإنما هو الطبيعة الاستيطانية للتجمع الصهيوني الذي لم يضرب بجذوره في المنطقة، وبخاصة أن أصحاب الأرض الأصليين لم تتم إبادتهم، بل لم يكفوا عن المقاومة، الأمر الذي يخلق عند الإسرائيليين ما نسميه «عقدة الشرعية» والخوف الدائم من عودة صاحب الأرض الذي يؤكد حضوره كذبهم (أرض بلا شعب) ، بل قد يؤدي إلى غيابهم في نهاية الأمر. ولكن بدلاً من أن يواجه المستوطنون حقيقة وضعهم كمستوطنين ومغتصبين للأرض، وبدلاً من أن يدركوا الأصل الحقيقي لمشاعرهم ومخاوفهم، فإنهم يتجاهلونها ويفرضون عليها هذا التفسير الصهيوني. فالإدراك الحقيقي سيُفقدهم ثقتهم بأنفسهم وإحساسهم بشرعية وجودهم وأخلاقيته، أما التفسير الصهيوني فسيسبغ عليهم المزيد من الشرعية وسيزيد إصرارهم على حقهم في البقاء وإبادة كل من يقف في طريق الضحية الوحيدة للمجازر؛ المهددة دائماً وأبداً بالإبادة!
وقد لاحظ بعض التربويين أن هذا التركيز على فكرة الإبادة، كفكرة رئيسية في وجدان أعضاء الجماعات اليهودية داخل وخارج إسرائيل، يسبب لهم مشاكل نفسية عميقة، إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان حياة نفسية سوية، وسط بلاد العالم أو بين أحد الشعوب، وهو يعتقد أنهم قد يبيدونه تماماً في أية لحظة وأنه الضحية الوحيدة. ولذا، بدأت ترتفع أصوات للتحذير من خطورة هذا الاتجاه. ولكن الصهيونية عقيدة تستند شرعيتها إلى الكوارث التي حاقت باليهود في الماضي والتي قد تحيق بهم في المستقبل، ومن ثم، فإن أية رؤية مُركَّبة للتاريخ تسحب هذه الشرعية منها. وعلى هذا، فليس من المتوقع أن يتغيَّر هذا الاتجاه في القريب.
احتكار الإبادة
Monopolizing the Holocaust