ومن الحقائق الأساسية التي كثيراً ما نغفل عنها، أن التحديث في العالم الغربي، في أوربا الغربية خاصة، ارتبط ارتباطاً كاملاً وعضوياً بالمشروع الاستعماري الغربي. ولا يمكن رؤية عملية التحديث (والتراكم الرأسمالي المرتبط به) ، في فرنسا وإنجلترا وهولندا وبلجيكا وأمثالها، خارج إطار التوسع الاستعماري وتحويل شعوب آسيا وأفريقيا إلى ما يشبه الطبقة العاملة (مصدر فائض القيمة) بالنسبة إلى شعوب الغرب (ولذا فنحن نفضل الحديث عن «التراكم الإمبريالي» ) . ومما لا شك فيه، أن التوسع الاستعماري يُساهم في التخفيف من حدة كثير من المشاكل الناجمة عن التحديث مثل الأزمات الاقتصادية والانفجارات السكانية، وذلك عن طريق تصديرها إلى المستعمرات. ولكن ألمانيا لم يكن لها مشروع استعماري مستقل نظراً لانقسامها، وقد مرت عليها مرحلة الاستعمار المركنتالي (التجاري) في القرنين السادس عشر والسابع عشر، كما مرت عليها مرحلة الاستعمار في إطار المنافسة الحرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولم تدخل ألمانيا الحلبة الاستعمارية إلا في مرحلة الرأسمالية الاحتكارية بعد أن كانت إنجلترا وفرنسا (ومن قبلهما إسبانيا والبرتغال) قد التهمتا معظم أنحاء العالم. وبطبيعة الحال، سعت ألمانيا، بعد أن تسارعت وتيرة التحديث داخلها، إلى بسط نفوذها على بعض مناطق العالم، فأنشأت علاقات وثيقة مع الدولة العثمانية وحلَّت محل بريطانيا وفرنسا كحليفة كبرى، كما احتلت بعض المناطق في أفريقيا بل في أوربا ذاتها. وقد تحطم المشروع الاستعماري لألمانيا تماماً في الحرب العالمية الأولى، إذ اقتسم الحلفاء (المنتصرون) مستعمراتها فيما بينهم ولم يعد لها مجال استعماري حيوي تقوم بتصدير مشاكلها إليه.