إن جوهر الفكر النازي، متمثلاً في كتابات أدولف هتلر (وغيره من المفكرين النازيين) ، لا يختلف كثيراً عن فكر سير آرثر بلفور صاحب الوعد المشهور (وغيره من الساسة والمفكرين الاستعماريين) . فكلٌ من هتلر وبلفور يدور داخل الإطار الإمبريالي العِرقي المبني على الإيمان بالتفاوت بين الأعراق، وعلى حل مشاكل أوربا عن طريق تصديرها. وكلاهما يؤمن بفكرة الشعب العضوي، وكلاهما يرى في اليهود عنصراً غير مرغوب فيه ويؤكد، من ثم، ضرورة وضع حل نهائي للمسألة اليهودية في أوربا، وكلاهما لا يلتزم بأية منظومة أخلاقية سوى منظومة المنفعة المادية ومنظومة الصراع الداروينية. وقد تم الحل النهائي في حالة بلفور بنقل (ترانسفير) اليهود خارج إنجلترا وأوربا إلى فلسطين.

وقد حاول هتلر، في بداية الأمر، أن يحل مسألته اليهودية بشكل نهائي أيضاً، بالطرق الاستعمارية السلمية البلفورية التقليدية، أي التخلص من الفائض البشري اليهودي عن طريق تصديره (ترانسفير) إلى رقعة أخرى خارج ألمانيا. وكان هتلر يدرك أن الترانسفير (تفريغ الأراضي من سكانها ونقلهم) هو جزء من المنظومة الغربية وطريقة حلها للمشاكل. فقد أشار (في أغسطس 1940) إلى أنه تم إفراغ بروسيا الشرقية من سكانها الألمان بعد الحرب العالمية الأولى، وتساءل عن وجه الضرر في نقل 600 ألف يهودي من أراضي الرايخ (وكان هناك مشروع نازي ترانسفيري أكبر وهو نقل 31 مليون «غير ألماني» من شرق أوربا، وهي عبارة بلفورية لا تختلف عن تلك العبارة التي وردت في وعد بلفور حيث تمت الإشارة لسكان فلسطين العرب على أنهم «الجماعات غير اليهودية» ) .

وداخل هذا التصور الترانسفيري البلفوري الغربي تحرَّك هتلر لتنفيذ خطته:

1 ـ قام هتلر بشحن عشرة آلاف يهودي وأرسلهم عبر الحدود إلى بولندا في 28 أكتوبر 1938، ولكن الحدود البولندية كانت موصدة دونهم (فبولندا هي الأخرى كانت تود الدفاع عن مصالحها المادية) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015