ولعل أكبر دليل على أن الإبادة إمكانية كامنة، تضرب بجذورها في الحضارة الغربية الحديثة، أنها لم تكن مقصورة على النازيين وإنما تشكل مرجعية فكر وسلوك الحلفاء، أعداء النازيين الذين قاموا بمحاكمتهم بعد الحرب! فإرنست همنجواي، الكاتب الأمريكي، كان يُطالب بتعقيم الألمان بشكل جماعي للقضاء على العنصر الألماني. وفي عام 1940 قال تشرشل إنه ينوي تجويع ألمانيا وتدمير المدن الألمانية وحرقها وحرق غاباتها. وقد عبَّر كاتب يُسمَّى كليفتون فاديمان عن هذا الموقف الإبادي بشكل متبلور. ولم يكن فاديمان هذا شخصية ثانوية في المؤسسة الثقافية الأمريكية فقد كان محرر مجلة النيو يوركر (وهي من أهم المجلات الأمريكية) ورئيس إحدى الوكالات الأدبية التي أنشأتها الحكومة الأمريكية إبَّان الحرب بغرض الحرب النفسية. وقد شن حملة كراهية ضارية ضد الألمان (تشبه في كثير من الوجوه الحملة التي شنها الغرب ضد العرب في الستينيات والتي يشنها ضد المسلمين والإسلام في الوقت الحاضر) وجعل الهدف منها "إضرام الكراهية لا ضد القيادة النازية وحسب، وإنما ضد الألمان ككل ... فالطريقة الوحيدة لأن يفهم الألمان ما نقول هو قتلهم ... فالعدوان النازي لا تقوم به عصابة صغيرة ... وإنما هو التعبير النهائي عن أعمق غرائز الشعب الألماني، فهتلر هو تَجسُّد لقوى أكبر منه، والهرطقة التي ينادي بها هتلر عمرها 2000 عام". ومثل هذا الحديث لا يختلف كثيراً عن الحديث عن عبء الرجل الأبيض وعن الخطر الإسلامي ومن قبله الخطر الأصفر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015